فصل: القراءات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{والذين قتلوا} مبنيًا للمفعول ثلاثيًا: أبو عمرو وسهل ويعقوب وحفص. الباقون {قاتلوا} {ويثبت} من الإثبات: المفضل. الباقون: بالتشديد {أسن} بغير الألف كحذر: إبن كثير {أنفا} بدون الألف كما قلنا: ابن مجاهد وأبوعون عن قنبل.

.الوقوف:

{أعمالهم} o {بالهم} o {من ربهم} ط {أمثالهم} o {الرقاب} ط {الوثاق} لا للفاء ولتعلق {بعد} بما قبلها أي بعد ما شددتم الوثاق {أوزارها} ج {ذلك} ط أي ذلك كذلك. وقد يحسن اتصاله بما قبله لأنقطاعه عن خبره أو عن المبتدأ أو الفعل أي الأمر ذلك. أوفعلوا ذلك {ببعض} ط {أعمالهم} o {بالهم} o ج للآية مع العطف واتحاد الكلام {لهم} o {أقدامهم} o {أعمالهم} o ج {من قبلهم} ط لتناهي الاستخبار {عليهم} ج للابتداء بالتهديد مع الواو {أمثالها} o {لهم} o {الأنهار} ط {لهم} o {أخرجتك} ج لاحتمال أن ما بعده صفة {قرية} أوابتداء إخبار {لهم} o {أهواءهم} o {المتقون} ط للحذف أي صفة الجنة فيما نقص عليكم ثم شرع في قصتها.
{آسن} ج {طعمه} ج {للشاربين} o ج لتفصيل أنواع النعم مع العطف {مصفى} ج {من ربهم} ط لحذف المبتدأ والتقدير أفمن هذا حاله كمن هو خالد {أمعاءهم} {إليك} ج لاحتمال أن يكون حتى للأنتهاء وللابتداء {آنفًا} ط {أهواءهم} o {تقواهم} {بغتة} لتناهي الاستفهام مع مجيء الفاء بعده في الإخبار {أشراطها} ج لعكس ما مر {ذكراهم}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)}.
أول هذه السورة مناسب لاخر السورة المتقدمة. فإن آخِرها قوله تعالى: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون} [الأحقاف: 35] فإن قال قائل كيف يهلك الفاسق وله أعمال صالحة كإطعام الطعام وصلة الأرحام وغير ذلك؟ مما لا يخلوعنه الإنسان في طو ل عمره فيكون في إهلاكه إهدار عمله وقد قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزله: 7] وقال تعالى: {الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله أَضَلَّ أعمالهم} أي لم يبق لهم عمل ولم يوجد فلم يمتنع الأهلاك. وسنبين كيف إبطال الأعمال مع تحقيق القول فيه. وتعالى الله عن الظلم. وفي التفسير مسائل:
المسألة الأولى:
من المراد بقوله: {الذين كَفَرُواْ}؟ قلنا فيه وجوه الأول: هم الذين كانوا يطعمون الجيش يوم بدر منهم أبو جهل والحرث ابنا هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وغيرهم الثاني: كفار قريش الثالث: أهل الكتاب الرابع: هو عام يدخل فيه كل كافر.
المسألة الثانية:
في الصد وجهان أحدهما: صدوا أنفسهم معناه أنهم صدوا أنفسهم عن السبيل ومنعوا عقولهم من اتباع الدليل وثانيهما: صدوا غيرهم ومنعوهم كما قال تعالى عن المستضعفين {يَقول الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا لولا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31] وعلى هذا بحث: وهو أن إضلال الأعمال مرتب على الكفر والصد. والمستضعفون لم يصدوا فلا يضل أعمالهم. فنقول التخصيص بالذكر لا يدل على نفي ما عداه. ولاسيما إذا كان المذكور أولى بالذكر من غيره وههنا الكافر الصاد أدخل في الفساد فصار هو أولى بالذكر أونقول كل من كفر صار صادًا لغيره. أما المستكبر فظاهر. وأما المستضعف فلانه بمتابعته أثبت للمستكبر ما يمنعه من اتباع الرسول فإنه بعد ما يكون متبوعًا يشق عليه بأن يصير تابعًا. ولأن كل من كفر صار صادًا لمن بعده لأن عادة الكفار اتباع المتقدم كما قال عنهم {إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثارهم مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 22] أو مقتدون. فإن قيل فعلى هذا كل كافر صاد فما الفائدة في ذكر الصد بعد الكفر نقول هو من باب ذكر السبب وعطف المسبب عليه تقول أكلت كثيرًا وشبعت. والكفر على هذا سبب الصد. ثم إذا قلنا بأن المراد منه أنهم صدوا أنفسهم ففيه إشارة إلى أن ما في الأنفس من الفطرة كان داعيًا إلى الإيمان. والامتناع لمانع وهو الصد لنفسه.
المسألة الثالثة:
في المصدود عنه وجوه الأول: عن الإنفاق على محمد عليه السلام وأصحابه الثاني: عن الجهاد الثالث: عن الإيمان الرابع: عن كل ما فيه طاعة الله تعالى وهو اتباع محمد عليه السلام. وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم على الصراط المستقيم هاد إليه. وهو صراط الله قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ صراط الله} [الشورى: 52. 53] فمن منع من اتباع محمد عليه السلام فقد صد عن سبيل الله.
المسألة الرابعة:
في الإضلال وجوه الأول: المراد منه الإبطال. ووجهه هو أن المراد أنه أضله بحيث لا يجده. فالطالب إنما يطلبه في الوجود. وما لا يوجد في الوجود فهو معدوم.
فإن قيل كيف يبطل الله حسنة أوجدها؟ نقول إن الابطال على وجوه أحدها: يوازن بسيئاتهم الحسنات التي صدرت منهم ويسقطها بالموازنة ويبقي لهم سيئات محضة. لأن الكفر يزيد على غير الإيمان من الحسنات والإيمان يترجح على غير الكفر من السيئات وثانيها: أبطلها لفقد شرط ثبوتها وإثباتها وهو الإيمان لأنه شرط قبو ل العمل قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صالحا مّن ذَكَرٍ أَوأنثى وهو مُؤْمِنٌ} [غافر: 40] وإذا لم يقبل الله العمل لا يكون له وجود لأن العمل لا بقاء له في نفسه بل هو يعدم عقيب ما يوجد في الحقيقة غير أن الله تعالى يكتب عنده بفضله أن فلانا عمل صالحًا وعندي جزاؤه فيبقى حكمًا. وهذا البقاء حكمًا خير من البقاء الذي للأجسام التي هي محل الأعمال حقيقة. فإن الأجسام وإن بقيت غير أن مالها إلى الفناء والعمل الصالح من الباقيات عند الله أبدًا. وإذا ثبت هذا تبين أن الله بالقبول متفضل. وقد أخبر أني لا أقبل إلا من مؤمن فمن عمل وتعب من غير سبق الإيمان فهو المضيع تعبه لا الله تعالى وثالثها: لم يعمل الكافر عمله لوجه الله تعالى فلم يأت بخير فلا يرد علينا قوله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وبيانه هو أن العمل لا يتميز إلا بمن له العمل لا بالعامل ولا بنفس العمل. وذلك لأن من قام ليقتل شخصًا ولم يتفق قتله. ثم قال ليكرمه ولم يتفق الإكرام ولا القتل. وأخبر عن نفسه أنه قام في اليوم الفلأني لقتله وفي اليوم الآخر لإكرامه يتميز القيامان لا بالنظر إلى القيام فإنه واحد ولا بالنظر إلى القائم فإنه حقيقة واحدة. وإنما يتميز بما كان لأجله القيام. وكذلك من قام وقصد بقيامه إكرام الملك وقام وقصد بقيامه إكرام بعض العوام يتميز أحدهما عن الآخر بمنزلة العمل لكن نسبة الله الكريم إلى الأصنام فوق نسبة الملوك إلى العوام فالعمل للأصنام ليس بخير ثم إن اتفق أن يقصد واحد بعمله وجه الله تعالى.
ومع ذلك يعبد الأوثان لا يكون عمله خيرًا. لأن مثل ما أتى به لوجه الله أتى به للصنم المنحوت فلا تعظيم الوجه الثاني: الإضلال هو جعله مستهلكًا وحقيقته هو أنه إذا كفر وأتى للأحجار والأخشاب بالركوع والسجود فلم يبق لنفسه حرمة وفعله لا يبقى معتبرًا بسبب كفره. وهذا كمن يخدم عند الحارس والسايس إذا قام فالسلطان لا يعمل قيامه تعظيمًا لخسته كذلك الكافر. وأما المؤمن فبقدر ما يتكبر على غير الله يظهر تعظيمه لله. كالملك الذي لا ينقاد لأحد إذا انقاد في وقت لملك من الملوك يتبين به عظمته الوجه الثالث: {أضله} أي أهمله وتركه. كما يقال أضل بعيره إذا تركه مسيبًا فضاع.
ثم إن الله تعالى لما بيّن حال الكفار بيّن حال المؤمنين فقال: {وَالَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمنوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وهو الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)}.
فيه مسائل:
المسألة الأولى:
قد ذكرنا مرارًا أن الله تعالى كلما ذكر الإيمان والعمل الصالح. رتب عليهما المغفرة والأجر كما قال: {إِنَّ الذين ءَآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الحج: 50] وقال: {والذين ءآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ ولنَجْزِيَنَّهُمْ} [العنكبوت: 7] وقلنا بأن المغفرة ثواب الإيمان والأجر على العمل الصالح واستوفينا البحث فيه في سورة العنكبوت فنقول ههنا جزاء ذلك قوله: {كَفَّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم} إشارة إلى ما يثيب على الإيمان. وقوله: {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} إشارة إلى ما يثيب على العمل الصالح.
المسألة الثانية:
قالت المعتزلة تكفير السيئات مرتب على الإيمان والعمل الصالح فمن امن ولم يفعل الصالحات يبقى في العذاب خالدًا. فنقول لوكان كما ذكرتم لكان الإضلال مرتبًا على الكفر والضد. فمن يكفر لا ينبغي أن تضل أعماله. أونقول قد ذكرنا أن الله رتب أمرين على أمرين فمن امن كفر سيئاته ومن عمل صالحًا أصلح باله أونقول أي مؤمن يتصور أنه غير آت بالصالحات بحيث لا يصدر عنه صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا إطعام. وعلى هذا فقوله: {وَعَمِلُواْ} عطف المسبب على السبب. كما قلنا في قول القائل أكلت كثيرًا وشبعت.
المسألة الثالثة:
قوله: {وآمنوا بما نُزِّلَ على محمد} مع أن قوله آمنوا وعملوا الصالحات أفاد هذا المعنى فما الحكمة فيه وكيف وجهه؟ فنقول: أما وجهه فبيانه من وجوه الأول: قوله: {والذين ءَآمنوا} أي بالله ورسوله واليوم الآخر. وقوله: {وآمنوا بما نزل} أي بجميع الأشيئاء الواردة في كلام الله ورسوله تعميم بعد أمور خاصة وهو حسن. تقول خلق الله السموات والأرض وكل شيء إما على معنى وكل شيء غير ما ذكرنا وإما على العموم بعد ذكر الخصوص الثاني: أن يكون المعنى آمنوا وآمنوا من قبل بما نزل على محمد وهو الحق المعجز الفارق بين الكاذب والصادق يعني آمنوا أولا بالمعجز وأيقنوا بأن القرآن لا يأتي به غير الله. فآمنوا وعملوا الصالحات والوأوللجمع المطلق. ويجوز أن يكون المتأخر ذكرًا متقدمًا وقوعًا. وهذا كقول القائل امن به. وكان الإيمان به واجبًا. أو يكون بيانًا لإيمانهم كأنهم {وآمنوا بما نُزِّلَ على محمد} أي آمنوا وآمنوا بالحق كما يقول القائل خرجت وخرجت مصيبًا أي وكان خروجي جيدًا حيث نجوت من كذا وربحت كذا فكذلك لما قال آمنوا بين أن إيمانهم كان أمر الله وأنزل الله لا بما كان باطلًا من عند غير الله الثالث: ما قاله أهل المعرفة. وهو أن العلم العمل والعمل العلم. فالعلم يحصل ليعمل به لما جاء: إذا عمل العالم العمل الصالح علم ما لم يكن يعلم. فيعلم الإنسان مثلًا قدرة الله بالدليل وعلمه وأمره فيحمله الأمر على الفعل ويحثه عليه علمه فعلمه بحاله وقدرته على ثوابه وعقابه. فإذا أتى بالعمل الصالح علم من أنواع مقدورات الله ومعلومات الله تعالى ما لم يعلمه أحد إلا باطلاع الله عليه وبكشفه ذلك له فيؤمن. وهذا هو المعنى في قوله.
{هوالذي أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم} [الفتح: 4] فإذا امن المكلف بمحمد بالبرهان وبالمعجزة وعمل صالحًا حمله علمه على أن يؤمن بكل ما قاله محمد ولم يجد في نفسه شكًا. وللمؤمن في المرتبة الأولى أحوال وفي المرتبة الأخيرة أحوال. أما في الإيمان بالله ففي الأول يجعل الله معبودًا. وقد يقصد غيره في حوائجه فيطلب الرزق من زيد وعمر ويجعل أمرًا سببًا لأمر. وفي الأخيرة يجعل الله مقصودًا ولا يقصد غيره. ولا يرى إلا منه سره وجهره. فلا ينيب إلى شيء في شيء فهذا هو الإيمان الآخر بالله وذلك الإيمان الأول.
وأما ما في النبي صلى الله عليه وسلم فيقول أولا هو صادق فيما ينطق. ويقول آخر لا نطق له إلا بالله. ولا كلام يسمع منه إلا وهو من الله. فهو في الأول يقول بالصدق ووقوعه منه. وفي الثاني يقول بعدم إمكان الكذب منه لأن حاكي كلام الغير لا ينسب إليه الكذب ولا يمكن إلا في نفس الحكاية. وقد علم هو أنه حاك عنه كما قاله. وأما في المرتبة الأولى فيجعل الحشر مستقبلًا والحياة العاجلة حالًا وفي المرتبة الأخيرة يجعل الحشر حالًا والحياة الدنيا ماضيًا. فيقسم حياة نفسه في كل لحظة. ويجعل الدنيا كلها عدمًا لا يلتفت إليها ولا يقبل عليها.
المسألة الرابعة:
قوله: {وآمنوا بما نُزِّلَ على محمد} هو في مقابلة قوله في حق الكافر {وَصُدُّواْ} [محمد: 1] لأنا بينا في وجه أن المراد بهم صدوا عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا حث على اتباع محمد صلى الله عليه وسلم. فهم صدوا أنفسهم عن سبيل الله. وهو محمد عليه السلام وما أنزل عليه. وهؤلاء حثوا أنفسهم على اتباع سبيله. لا جرم حصل لهؤلاء ضد ما حصل لأولئك. فأضل الله حسنات أولئك وستر على سيئات هؤلاء.
المسألة الخامسة:
قوله تعالى: {وهو الحق مِن رَّبّهِمْ} هل يمكن أن يكون من ربهم وصفًا فارقًا. كما يقال رأيت رجلًا من بغداد. فيصير وصفًا للرجل فارقًا بينه وبين من يكون من الموصل وغيره؟ نقول لا. لأن كل ما كان من الله فهو الحق. فليس هذا هو الحق من ربهم. بل قوله: {مّن رَّبّهِمُ} خبر بعد خبر. كأنه قال وهو الحق وهو من ربهم. أوإن كان وصفًا فارقًا فهو على معنى أنه الحق النازل من ربهم لأن الحق قد يكون مشاهدًا. فإن كون الشمس مضيئة حق وهو ليس نازل من الرب. بل هو علم حاصل بطريق يسره الله تعالى لنا.
ثم قال تعالى: {كَفَّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي سترها وفيه إشارة إلى بشارة ما كانت تحصل بقوله أعدمها ومحاها. لأن محوالشيء لا ينبىء عن إثبات أمر آخر مكانه. وأما الستر فينبىء عنه. وذلك لأن من يريد ستر ثوب بال أو وسخ لا يستره بمثله. وإنما يستره بثوب نفيس نظيف. ولاسيما الملك الجواد إذا ستر على عبد من عبيده ثوبه البالي أمر بإحضار ثوب من الجنس العالي لا يحصل إلا بالثمن الغالي. فيلبس هذا هو الستر بينه وبين المحبوبين. وكذلك المغفرة. فإن المغفرة والتكفير من باب واحد في المعنى. وهذا هو المذكور في قوله تعالى: {فَأولئِكَ يُبَدّلُ الله سَيّئَاتِهِمْ حسنات} [الفرقان: 70] وقوله: {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} إشارة إلى ما ذكرنا من أنه يبدلها حسنة. فإن قيل كيف تبدل السيئة حسنة؟ نقول معناه أنه يجزيه بعد سيئاته ما يجزى المحسن على إحسانه. فإن قال الإشكال باق وباد. وما زال بل زاد. فإن الله تعالى لوأثاب على السيئة كما يثيب عن الحسنة. لكان ذلك حثًا على السيئة. نقول ما قلنا إنه يثيب على السيئة وإنما قلنا إنه يثيب بعد السيئة بما يثيب على الحسنة. وذلك حيث يأتي المؤمن بسيئة. ثم يتنبه ويندم ويقف بين يدي ربه معترفًا بذنبه مستحقرأ لنفسه. فيصير أقرب إلى الرحمة من الذي لم يذنب. ودخل على ربه مفتخرًا في نفسه. فصار الذنب شرطًا للندم. والثواب ليس على السيئة. وإنما هو على الندم. وكأن الله تعالى قال عبدي أذنب ورجع إليّ. ففعله شيء لكن ظنه بي حسن حيث لم يجد ملجأ غيري فاتكل على فضلي. والظن عمل القلب. والفعل عمل البدن. واعتبار عمل القلب أولى. ألا ترى أن النائم والمغمى عليه لا يلتفت إلى عمل بدنه. والمفلوج الذي لا حركة له يعتبر قصد قلبه. ومثال الروح والبدن راكب دابة يركض فرسه بين يدي ملك يدفع عنه العدوبسيفه وسنانه. والفرس يلطخ ثوب الملك بركضه في استنانه. فهل يلتفت إلى فعل الدابة مع فعل الفارس. بل لوكان الراكب فارغًا الفرس يؤذي بالتلويث يخاطب الفارس به. فكذلك الروح راكب والبدن مركوب. فإن كانت الروح مشغو لة بعبادة الله وذكره. ويصدر من البدن شيء لا يلتفت إليه. بل يستحسن منه ذلك ويزاد في تربية الفرس الراكض ويهجر الفرس الواقف. وإن كان غير مشغو ل فهو مؤاخذ بأفعال البدن.